الاُنس بالولد

لا شکّ ولا ريب في أنّ الإنسان يأنس ببعض الأشياء المطبوعة ، حيث تتماشى مع طبيعته ، كذلک لا شکّ في أنّ المطبوعات تختلف وتتمايز عنده ، فبعضها تطابق ذوقه مئة بالمئة ، وبعضها الآخر أقلّ من الأوّل ، وهكذا، هذا كلّه من الغرائز الأوّلية والفطرية للبشر.

ثمّ إنّ الناس يختلفون حسب اختلاف أذواقهم ، فترى الشيء المحبوب عند هذا لم يكن محبوبآ عند الآخرين ، والمرغوب عند الآخر لم يرغب فيه بعضهم ، والمثل السائر يقول : لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع في الأسواق .

ومن الجدير بالذكر أنّه مع اختلاف أذواقهم وروحيّاتهم وأوضاعهم وبيئاتهم ، كلّهم قد اتّحدوا في أمر واحد ـوحتّى شاركهم به الحيوانات ـ وهو الاُنس بالولد، فالكبير والصغير، والغني والفقير، والأبيض والأسود، والشريف والوضيع ، كلّ يأنس بطفله ويراه أبدع المخلوقات .

يقال أنّه قيل للغراب : جئنا بأجمل الفراخ ، فجاء بفرخه ، في حين أنّ فرخ الغراب من أقبح الفراخ ، فقس على هذا فعلل وتفعلل .

1 ـ أبو علي الأشعري ، عن محمّد بن سالم ، عن أحمد بن النضر، عن عمرو ابن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله  7، قال : أتى رجل رسول الله  6، فقال : يا رسول الله إنّي راغب في الجهاد، نشيط ، قال : فقال له النبيّ  6 : فجاهد في سبيل الله، فإنّک إن تقتل تكن حيّآ عند الله ترزق ، وإن تمت فقد وقع أجرک على الله، وإن رجعت ، رجعت من الذنوب كما ولدت ، قال : يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله الكرام البررة ) إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنّهما يأنسان بي ، ويكرهان خروجي ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله الطاهرين : فقرّ مع والديک ، فوالذي نفسي بيده ، لاُنسهما بک يومآ وليلة خيرٌ من جهاد سنة ...[1] .

2 ـ الصادق  7: الاُنس في ثلاث : في الزوجة الموافقة ، والولد البارّ، والصديق المصافي ...[2] .

3 ـ قيل : اُنس المرء في خمسة أشياء، منه : الولد البارّ...[3] .

4 ـ عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال : أتى رجل رسول الله  9، فقال : إنّي رجل شابّ 
نشيط ، واُحبّ الجهاد، ولي والدة تكره ذلک ؟ فقال له النبيّ  9: ارجع فكن مع

والدتک ، فوالذي بعثني بالحقّ ، لاُنسها بک ليلة خير من جهادک في سبيل الله سنة[4] .

5 ـ القطب الراوندي في لبّ اللباب ، قال : قال رجل : يا رسول الله  9! جئتک اُبايعک على الهجرة ، وتركت أبويّ يبكيان ، فقال  9: ارجع واضحكهما...[5] .